الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في فيلم «7 ونصف» لنجيب بلقاضي: المرزوقي يدعو إلى "قبول الرشوة"، بحري الجلاصي يعتبر نفسه أفضل من بورقيبة وبائع خمر يصوّت للنهضة

نشر في  29 سبتمبر 2014  (18:19)

مشاهد غريبة تلك التي نقلها المخرج نجيب بلقاضي في فيلمه الوثائقي الجديد «7 ونصف» والذي صوّره في الفترة التي سبقت انتخابات 23 أكتوبر 2011.. غرابة تونسية بحتة إجتمعت فيها طيبة وسذاجة المواطنين بأطماع المتسابقين نحو السلطة. فكيف كانت مواقف رجال السياسة آنذاك، وماذا كان يشغل بال المواطن التونسي أشهر قليلة بعد سقوط نظام بن علي؟ 

في شريط «7 ونصف» الذي سيعرض في قاعات السينما التونسية انطلاقا من يوم 1 أكتوبر، يرصد نجيب بلقاضي الحراك الاجتماعي والسياسي الذي كان قائما قبيل الانتخابات في محاولة لرسم بورتريه للشعب التونسي وهو يستعد لخوض أول انتخابات ديمقراطية تعرفها البلاد بعد أكثر من 50 سنة من الحزب الواحد والرأي الواحد والرجل الواحد.

بين المزايدات السياسية، وزلات اللسان والتناقضات الاجتماعية، تتنقل كاميرا نجيب بلقاضي لتكشف حجم الأطماع الحزبية وسذاجة عدد هام من التونسيين الذين ظنوا أنّه بمجرّد مغادرة بن علي للحكم فإنّ الأوضاع ستتحسن لا محالة.

فها هو منصف المرزوقي عندما كان رئيسا لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية يدعو الناخبين لقبول الرشوة السياسية وللتصويت ضدّ من تسلموا منهم الأموال، وذاك خليل الزاوية القيادي في حزب التكتل ينعت الناشط الحقوقي صالح الزغيدي بالغباء (connard) متهما إيّاه بالتسبب في تراجع نتائج التكتل في الانتخابات، أمّا البحري الجلاصي فيقول إنّ بورقيبة من أعظم السياسيين الذين عرفهم التاريخ لكن البحري الجلاصي «يقرّيه» مشيرا الى كونه أفضل منه! أمّا زياد الدولاتلي القيادي بحزب النهضة فأكد على فكرة مدنية الدولة وهو الشيء الذي عملت النهضة على ضربه بعد الانتخابات.. أمّا مصطفى بن جعفر أمين عام حزب التكتل فبدا غير واثق من التحالفات التي سيدخل فيها وكأنه يحاول إخفاء تحالفه القادم مع حركة النهضة. كما فسح بلقاضي المجال لسليم الرياحي رئيس الحزب الوطني الحر الذي بدا حديث العهد بالسياسة.

وإلى جانب "السرك السياسي" الذي رصده بلقاضي، سلّط شريط «7 ونصف» الضوء على عينات من المجتمع التونسي، فهذه مجموعة من الأزواج يشاركون في عرس جماعي نظمته حركة النهضة، وهذا شاب من جرحى الثورة بمدينة تالة، بُترت رجله بعد إصابته برصاص الأمن ليفقد العمل الذي كان ينتظره ويلقى التجاهل من قبل من حكموا البلاد. وهذا رجل يزلّ لسانه، فيهتف «يحي التجمع» أمام مكتب الاقتراع كاشفا ربما انتماءه السياسي السابق. وهذا بائع خمر يقول إنّه سيصوّت للنهضة! 

ويحاور بلقاضي في فيلمه عالم الاجتماع محمد كرو فيضرب مثال قذارة بيوت الراحة في المقاهي وحالة الإهمال التي تعاني منها المكتبات العمومية قائلا إنّه طالما لم نتطوّر ونتحضر فإنّنا سنظل شعبا يعيش على وقع الفوضى. وربّما الشخص الوحيد الذي كان متيقنا من فوز النهضة في الانتخابات هو الناشط الحقوقي فتحي بلحاج يحيى الذي عبّر صراحة عن قدرة النهضة على اكتساح انتخابات 2011.

ولعلّ اللافت للنظر في فيلم بلقاضي هو أنّه اختار أن يستهل فيلمه ويختمه بمشهدين اثنين اعتمدا على العاطفة، ففي بداية الشريط يبكي أحد معتصمي القصبة قائلا: "إنّه يريد أن يتذكره أحفاده كمناضل"، وأمّا المشهد النهائي فتحبس فيه سيدة دموعها قائلة إنّها كانت تعيش على وقع الخوف، وكأنّ بنجيب بلقاضي يقول إنّه لا يمكن أن ننتظر ممارسات ديمقراطية ووعيا سياسيا فائقا إذا ما كنا غير عقلانيين وغير منطقيين، تقود العاطفة تصرفاتنا وإختياراتنا.

في فيلم «7 ونصف» تتشعب ثنايا المتاهة الاجتماعية والسياسية التونسية، فترصد كاميرا بلقاضي ملامح «مجتمع جديد» مازال قيد التشكل، مجتمع انغرست فيه «سكاكين سياسية بدائية» بينما لم يتعاف بنيانه بعد من عقود من التسلط والديكتاتورية.

تونس 2011، تلك هي التي صوّر بلقاضي جانبا منها في فيلمه الوثائقي الجديد، تونس التي انقشعت عنها غيوم السابع من نوفمبر لتكون فريسة لهواة السياسة وليسقط عدد من أبنائها في فخ الخطابات السياسية الرنانة بحكم محافظة وعدم واقعية عدد من ابنائها. والمؤكد أنّ "7 ونصف" يمثل وثيقة تخدم الذاكرة "باش ما ننساوش" مثلما قال نجيب بلقاضي، كيف كان الحراك في بلدنا في الأشهر الأولى من الثورة.

فهل تتحرك عقارب الساعة السياسية لتغادر سفينة تونس «الـ7 والنصف» وتتجه نحو الثامنة والتاسعة والعاشرة مع نتائج الانتخابات 26 أكتوبر 2014 أم أنّنا سنتدحرج الى الوراء ونعود مجددا الى السابعة؟

شيراز بن مراد